الهروب من المواجهة أياً كان نوعها، عائلية، اجتماعية، مع رأي عام، تبقى حالة من الدفاع عن النفس بوسائل غير مشروعة، وغالب الناس رجالاً ونساءً ليسوا شجعاناً، لكننا في حالات الهروب، نبررها ليس بالسلامة الذاتية، وإنما الكذب عليها، ولذلك نشتكي من غلاء الأشياء، الأغذية، والمساكن، والأطعمة وغيرها لكننا لا نواجه أنفسنا بالمبالغة بالولائم وفوائض الأغذية، والمنزل المقبول والاقتصادي يمكننا أن نلغي أجزاء منه مثل الملاحق، وغرفة السفرة، وتكبير الصالات والمداخل والمجالس دون أن نشعر بنقص ما..
ونغضب حين يواجهنا أحد أبنائنا بالنطق بالحقيقة، ونعتبره يتطاول على قيمنا ويهتك احترام تربيتنا، ونريد لنسلنا شباباً وشابات أن يكونوا جامعيين، ومدراء، وأصحاب مراكز مرموقة، ولا نبحث في داخلهم عن إمكانات مهنية، أو فنية، أو اختصاصات يمكنها أن ترقى بالمجتمع، وتدر المكاسب المادية والمعنوية..
كل الشعراء والمغنين، يعلنون الحب، والبكاء، بينما لا نقاوم التدليس وعدم الاكتراث برؤية طفل جائع، أو شيخ مقهور، لنمارس مبادئ الحب بدمجها بالشفقة وغسل دموع تلك الفئات لرفع مستوى كرامتهم وتلبية احتياجاتهم.
نتقابل بالشارع، والمناسبات، نتصافح وأول الأسئلة عن الصحة والعائلة والأحوال العامة، في الوقت الذي نسأل عن صحته أمامنا بكامل عافيته..
نبالغ في مجاملة المدير، والتاجر، والشخصية المرموقة اجتماعياً، ونستجدي من لديه قدرة العقاب على خطأ، مع أننا نعلم أن هذا الهروب مبرر، لكسر القانون أو حق الآخر، وممارسة الازدواجية الشخصية بمعناها الساذج..
نكره من حرر (فواتير) الكهرباء، والمياه، والهاتف، لكننا لا نسأل أنفسنا لماذا نسرف باستعمال هذه الضرورات بلا غاياتها، ونرفع من وعينا بأن هذه المنجزات جاءت لأداء أغراض صحيحة، لا (الرغي) وترك المكيفات، والمدافئ، والمصابيح وصنابير المياه بلا رقابة، ثم نبحث عن مبرر نحول عليه أخطاءنا..
في مراسم زواجاتنا، الأم تنفق مدخراتها، وتجبر الأب على إضافة رقم جديد في دفتر ديونه، والسبب أن الاحتفال يجب أن يكون حديث النساء قبل الرجال، والبنت القريبة لنا ليست أفضل من بنتنا..
بالمقابل لا نسعى أن نطور ذواتنا من خلال استغلال قدراتنا، كأن نبدأ بوظيفة بسيطة لنصل إلى درجات جيدة باضافة مهارات وابتكارات أخرى للإدارة، ولا نقبل الادخار لنبدأ بالملاليم لتقودنا إلى الآلاف والملايين، من خلال التصميم والإرادة والتكيف مع قبول القليل لنصل إلى التراكم المادي الكثير..
ملولون، يحب طفلنا اللعبة، ولأننا لا نزرع فيه قيمتها المعنوية، فإنه يقوم بكسرها، ويشتري الميسورون لأبنائهم السيارات وأجهزة (الجوالات) والحواسيب، ولكنها بعد وصول (الموديل) الجديد يأتي التغيير للمباهاة، وليس للحاجة..
السيدات الكريمات أكثر من يدخل مسابقة (الموضات) في الملابس والحلي، وملونات الوجه وصبغات الشعر والشفتين، ولذلك من العيب أن تلبس (فستاناً) في حفلتين، وإلا صارت سخرية الاسم المؤنث من بني جنسها..
أليس هذا هروباً من كل شيء، سطوة التقاليد، وقسوة العادات ثم نشكو ولكننا لا نسعى إلى التغيير الموضوعي بكفاءة الإنسان المتطور