يغيب المرء، ثم يعود...يطول الفراق، لكن حلاوة اللقاء تمحو مرارته من اللسان ومن الوجدان، ولا يملك القلب إلا أن يردد أبياته التي يبدو أن الإدارة أحبتها كثيرا:
ب قد حلت ركابي....به الواحات تهزأ بالسراب
كم عرفت على هذه الصفحات من أحبة، وكم تخاطبت قلوب وهمست أرواح، بعضهم بقي، وبعضهم أبحر في متاهات الحياة، لكن القلب أفسح لجميعهم مكانا رحبا فسيحا...
أما قصيدة العودة، فحزينة...و أنى للغربة أن تأتي بغير الحزن واللوعة..
ما بال قربك بالهموم رماني...والعهد أنك فرحة وتهاني
يا عيد ما بال الورى قد أطلقوا...للسعد والأفراح كل عنان
و أنا أسير الشوق تنزف مقلتي...دمع الفراق وعبرة التحنان
يا عيد ما بال الأنام قد ارتدوا...حلو الثياب معطر الأردان
و أنا لبست الحزن ثوبا باليا...ورثى لحالى من رنا ورآني
ما بال من حولي غدا تبريكهم...والتهنئات حديث كل لسان
و أنا نشيد البعد أضحى في فمي...مر المذاق و طعمه أشجاني
بعد الصلاة رأيتهم هبوا إلى ...أحبابهم فالكل في الأحضان
و أنا رجعت لغرفتي فردا فلا...حضن يعانقني وقلب حاني
أماه كيف العيد دون تبسم....عند الصباح ببشره يلقاني
وأبي أتصفو في حياتي فرحة...ودعاؤه ما حل في آذاني
يا عيد أين العيد من حالي وما...كحلت عيني من رؤى إخواني
قد كنت أحسب أن بعدي عنهم...قسّى فؤادي والنوى أنساني
لكن ذكراهم غدت في خاطري ...تأبى رحيلا لو لبعض ثوان
يا عيد عذرا لست ممن يبتغي...صوت النحيب ومشهد الأحزان
لكنه شوق تمادى في دمي...فبرى فؤادي واستباح كياني
يا عيد إن العيد عندي فرحة...بلقا حبيب بعد طول زمان
************************************************** ************
اَلْعِيْدُ عَاْدَ ، وَ مَاْ عَاْدُوْا لِرُؤْيَتِنَاْ
وَ لاْ أَتَاْنَاْ مِنَ الأَحْبَاْبِ مَكْتُوْبُ
نَعُوْمُ فِيْ الْهَجْرِ - كَالأَسْرَىْ - وَ يُغْرِقُنَاْ
مَوْجٌ مِنَ الشَّوْقِ ؛ وَ الْمُشْتَاْقُ مَعْطُوْبُ
لا الدَّاْرُ تَدْنُوْ ، وَ لا الدَّيَّاْرُ يَقْصُدُنَاْ
فِيْ دِيْرَةِ الْهَجْرِ ؛ فَالْمَهْجُوْرُ مَنْكُوْبُ
أُصَاْحِبُ الشَّوْقَ فِيْ حِلٍّ ؛ وَ فِيْ حَرَمٍ
وَ لاْ يُصَاْبِرُ مَاْ صَاْبَرْتُ أَيُوْبُ
لِيْ فِي الْمَعَرَّةِ أَحْبَاْبٌ ؛ وَ لِيْ وَطَنٌ
غَاْلٍ عَلَى الْقَلْبِ رَغْمَ الْبُعْدِ مَطْلُوْبُ
هَلاَّ أَعَدْتِ إِلَيَّ الْقَلْبَ - فِيْ سَفَرِيْ -
حَتَّىْ أَعِيْشَ ؛ وَ يَرْضَى السَّاْدَةُ الشِّيْبُ
إِنِيْ رَحَلْتُ ؛ وَ لَمْ أَرْجِعْ إِلَىْ وَطَنِيْ
لَكِنَّهُ - فِيْ دِمَاْءِ الْقَلْبِ - مَسْكُوْبُ
شَمْسُ الأَحِبَّةِ مَاْزَاْلَتْ تُرَاْفِقُنِيْ
وَ بَدْرُهُمْ فِيْ ظَلاْمِ الْلَيْلِ مَشْبُوْبُ
مَاْزِلْتُ أَحْمِلُ حُبَّ الأَهْلِ فِيْ كَبِدِيْ
وَ الْقَلْبُ يَهْتِفُ ؛ حُبُّ الأَهْلِ مَحْبُوْبُ
وَ قَدْ لَمَسْتُ - بِأَرْضِ الْهَجْرِ إِذْ بَعُدَت -
لِلْهَمِّ فِي الصَّدْرِ ؛ حَوْلَ الْقَلْبِ تَطْنِيْبُ
وَ الذِّكْرَيَاْتُ فَرَاْشَاْتٌ تُلاْحِقُنِيْ
عَبْرَ الْحُدُوْدِ ، وَ مَاْ فِيْ ذَاْكَ تَثْرِيْبُ
إِنِّيْ تَذَكَّرْتُ - يَاْ أَحْبَاْبُ - مَنْطِقَتِيْ
وَ الْعِيْدُ عِيْدٌ بِهِ الْبِيْضُ الرَّعَاْبِيْبُ
وَ عَاْدَ يَنْبِضُ حُبُّ الشَّاْمِ فِيْ دَمِهِ
شَوْقاً ؛ وَ لَيْسَ لِحُكْمِ اللهِ تَعْقِيْبُ
لَكِنَّ عِيْداً بِأَرْضِ الْهَجْرِ يُحْزِنُنِيْ
إِذْ أَنَّ بَعْضَ ظُرُوْفِ الْهَجْرِ مَرْهُوْبُ
مَنْ جَرَّبَ الْهَجْرَ يَدْرِيْ مَاْ مَرَاْرَتُهُ
وَ رُبَّمَاْ يَصْقُلُ الإِنْسَاْنَ تَجْرِيْبُ
وَ رُبَّمَاْ يُفْلِحُ الإِنْسَاْنُ فِيْ سَفَرٍ
وَ رُبَّمَاْ ضَاْعَ إِنْ سَاْدَتْ عَنَاْكِيْبُ
وَ الْعِيْدُ يَبْقَىْ ؛ بِلاْ أَهْلٍ وَ لاْ وَطَنٍ
كَأَنَّهُ مَأْتَمٌ ؛ وَ اللَّحْنَ تَنْحِيْبُ
قَدْ أَشْكَلَ الأَمْرُ !! لاْ أَدْرِيْ عَوَاْقِبَهُ
فَهَلْ يَعُوْدُ إِلَى الأَوْطَاْنِ مَسْرُوْبُ
كَمَاْ تَرَدَّدَ - مِنْ سِرْبِ الْقَطَاْ - عَدَدٌ
بَعْدَ الْغِيَاْبِ ، وَ مَاْ أَقْصَاْهُ تَأْنِيْبُ
وَ ضَمَّدَ الْجُرْحَ لَمَّاْ عَيْنُهُ دَمَعَتْ
وَ انْهَلَّ مِنْهَاْ عَلَى الْخَدَّيْنِ مَسْكُوْبُ
يَسْقِي الْوُرُوْدَ ؛ وَ يَسْقِي الزَّهْرَ فِيْ وَطَنٍ
كَمَاْ سَقَى الْوَاْحَةَ الْخَضْرَاْءَ شُؤْبُوْبُ
يَاْ عِيْدُ ! إِنِّيْ إِلَىْ عَوْدٍ أَذُوْبُ جَوىً
وَ اللهُ يَعْلَمُ أَنَّ الْقَلْبَ مَرْعُوْبُ
يَاْ عِيْدُ عُدْتَ ، وَ مَاْ عَاْدَتْ قَوَاْفِلُنَاْ
وَ لاْ أَتَاْنَاْ - وَرَاْءَ الْبَحْرِ - مَكْتُوْبُ