helper عضو جديد
عدد الرسائل : 9 الدولة : تاريخ التسجيل : 06/11/2007
| موضوع: تغيب الآباء عن التربية الجمعة يناير 11, 2008 4:44 pm | |
| تغيب الآباء عن التربية
اضطربات في حياة الأطفال بسبب تغيب الآباء عن المنزل. أباء تركوا بيوتهم بلا رقيب ولا تربية. أطفال يعانون من نقص المناعة العاطفية. إن قضية غياب الآباء عن المنزل لساعات طويلة أو لأيام وأسابيع له أثر خطير على نفسية الطفل، فالأب هو الترجمة الحرفية لقصيدة الحب والحنان، ويعتبر بالنسبة للطفل مصدراً للأمن والحماية، وهو ربان سفينة الأسرة يقودها بفطنته ليحمل أبناءه إلى شواطئ الدفء والأمان.. وبَرّ الثقافة الفكرية والعلمية، ولا بد أن ندرك مسؤولية تربية الأبناء وآثارها السيئة نتيجة تغيّب الآباء عن المنزل
فهل غياب الأب يؤثر حقاً على نفسية الطفل؟ وما هي أسباب تغيب الآباء ومكوثهم مدة طويلة خارج المنزل؟ وهل هناك طريقة لجذبهم إلى عشهم وبوتقتهم؟ أسئلة شائكة وقضية ساخنة تحتاج إلى ونظرة ثاقبة ودراسة واعية تجعل من البيت معلماً ورافداً ينهل منه الأبناء ما ينفعهم في حياتهم ومستقبلهم.
غائبون رغم حضورهم
يقول الأستاذ محمد خلفان الزعابي مدير مدرسة عمر بن عبد العزيز: إن قضية غياب الأب عن المنزل أو رب الأسرة ومكوثه لساعاتٍ طوالٍ بعيداً عن أبنائه مسألة خطيرة ولها أثر كبير في فقدان السيطرة الأبوية، لأن قوة السلطة الأبوية تقي الأسرة كثيراً من المشكلات التربوية الأسرية، وهناك سؤال غاية في الأهمية وهو كيف نجمع بين فقدان السيطرة الأبوية وبين تواجد بعض الآباء مع أبنائهم جل أوقاتهم في المنزل؟
إن تواجد الأب في المنزل مع الأبناء ليس هو مطلباً في ذاته، بل يجب على الأب أن يعرف ماذا يجب عليه أن يفعل أو لا يفعل في حال تواجده في المنزل؟ وهنا سيدرك كل منا هل هو من الآباء الغائبين، أم من الآباء الحاضرين الغائبين.
فما فائدة تواجد الأب في المنزل إذا كان يفرّط في تدليل الأبناء ويحرمهم من توجيهاته التربوية والتأديبية؟ وما فائدة تواجد الأب إذا كان لا يعدل بين أبنائه، ويفضل بعض الأبناء على بعض؟ وما فائدته إذا كان يتعامل مع أبنائه بالقسوة والعنف، ولا يتحدث معهم، ولا يقبلهم، قد نزع من قلبه الرحمة؟
ويضيف الأستاذ الزعابي ويقول: إن هناك صوراً توضح أسباب تغيب الأب عن المنزل وهي كثيرة نذكر بعضاً منها:
أولاً ـ العمل: كثيراً ما تكون بعض الأعمال تتطلب من صاحبها المكث خارج البيت أو في المناطق النائية لأسابيع وأشهر وقد تصل إلى سنة كاملة بشكل متواصل، فتسبب في انفلات زمام السلطة من الأب وبروز سلوكيات سلبية لدى الأبناء بشكل غير متوقع.
ثانياً ـ الهجر: هجر الزوج لزوجته على إثر خلافات زوجية، مما يسبب آثاراً وخيمة، تعود بأثر سلبي على نفسية الأبناء.
ثالثاً ـ رفقاء السوء: وهم عبارة عن مجموعة من الأصحاب درجوا على قضاء أوقاتهم في السهر والسمر واللهو إلى ما بعد منتصف الليل، وقضاء ما تبقى من اليوم في وظائفهم، فليس للأبناء سوى سويعات معدودة يكون الآباء فيها عادة نائمين.
رابعاً ـ تعدد الزوجات: ليس تعدد الزوجات سبباً في تفكك الأسرة، ولكن إذا أسيء استخدام هذا الحق، وبالاستهتار به، أو عدم تسخير الوقت الكافي لكل من الزوجة والأبناء، فقد يكون ذلك سبباً في تحطيم كيان الأسرة.
خامساً ـ الطلاق: يستحوذ الطلاق في كافة المجتمعات على نصيب الأسد في ابتعاد الأب عن أسرته مما يعرض الأبناء لكثير من الانحرافات التي يمكن الوقاية منها لو استطاع الأب والأم بعد الطلاق أن يتساميا على جراحتهما وأن يشيعا جواً من اللاعدائية والاحترام المتبادل بينهما، هادفين بذلك إلى خلق أجيال أسوياء تربوياً ونفسياً.
سادساً ـ السجن:وهو يؤدي إلى انعدام سلطة الأب تماماً طيلة فترة العقوبة، وهنا يأتي دور الخدمة الاجتماعية في السجون في تطوير العمل الاجتماعي في التواصل مع أسرة السجين وتغيير أماكن اللقاء من خلف القضبان إلى غرف مهيأة لهذه الاجتماعات لإشاعة جو من الدفء والاتصال الأسري ذو خصوصية وطابع عائلي، بعيداً عن صوت القيود والأغلال، ولكي يشعر الأبناء أنهم على اتصال دائم بآبائهم.
تغيب المسؤولية
وتقول الأستاذة شيخة المسكري باحثة في أسرار الطاقة: إن هناك سلبيات خطيرة في غياب الآباء عن أبنائهم وهي:
أولاً ـ ضعف الجانب العاطفي الأبوي، فانعدام المشاعر الأبوية تجاه الأبناء يؤدي إلى انعدام الحنان والمحبة بين الطرفين وحدوث حالات نفسية مكتئبة لد الأبناء. فقد تحدث بعض الاضطرابات في حياة الطفل، ويتجلى ذلك في مشاعر الخوف والقلق التي تنتاب الطفل بين الحين والآخر، لاسيما أثناء النوم، أو بشكل أعراض نفسية جسديه (قضم الأظافر، تبول لاإرادي، عدم التركيز، كثرة النسيان، الميل للعزلة)
ثانياً ـ شلل الهيكل التربوي نتيجة لغياب الأب المستمر، فتضعف الجوانب العلمية والفكرية والثقافية لد الأبناء.
ثالثاً ـ تحمل الأم العبء الأكبر من مسئولية تربية الأبناء في جميع الجوانب، وهذا يؤدي بلا شك إلى تقصيرها في التربية، بسبب غياب دور الأب ومسؤوليته في المنزل.
تشير نتائج أحدث الدراسات التربوية بالولايات المتحدة الأمريكية إلى مدى تأثير الحالة الاجتماعية وحضور الآباء الفعال على تقدم الأطفال في مراحل التعليم المختلفة بداية من فترة الحضانة الأولى، فالأطفال الذين ينحدرون من عائلات ثنائية العائل ( أب وأم) وجد أنهم يتمتعون بقدرات أفضل فيما يتعلق بالقراءة والكتابة وإجراء العمليات الحسابية من أقرانهم الذين ترعرعوا في كنف عائلات أحادية العائل( عائلة بدون أب) حيث تتحمل الأم هنا كافة الأعباء النفسية والاجتماعية والاقتصادية.
رابعاً ـ حدوث خلاف وشقاق مستمر بسبب تقصير الأب وغيابه المتكرر، وهذا يؤدي إلى التأثير السلبي على نفسية الأبناء.
خامساً ـ غياب الأب يعني غياب القدوة والسلوكيات الدينية مثل اصطحاب الأب أبناءه إلى المسجد، والسلوكيات التربوية الحياتية اليومية مثل متابعة الأبناء واجباتهم المدرسية.
سادساً ـ انحراف الأبناء خاصة مع وجود عوامل مؤثرة كالتلفزيون والإنترنت.
وقد حاولت الأستاذة شيخة أن تحلل أسباب تغيب الأب عن المنزل، فقالت: إن انشغال الأب بأمور الدعوة وتوعية المجتمع وغفلته عن مسئوليته التربوية الأساسية أو غيابه بسبب أعماله التجارية بعد الوظيفة الرسمية قد تترك أثاراً سلبية في حياة الأبناء والأسرة، كما أن وجود خلافات مستمرة بين الزوجين قد تؤدي إلى هروب الأب من المنزل، وخاصة إذا كان هناك تقصير واضح من الزوجة تجاه زوجها في جذبها له (في نفسها وبيتها وأبنائها) مقابل ما يراه من مغريات كثيرة في المجتمع، ولا يقف تعليل هذه المشكلة بالنظر إلى تقصير الزوجة فقط، فقلة وعي الأب كذلك لأهمية مسؤوليته تجاه بيته وأبنائه وزوجته أو عدم حرصه للارتقاء بمستوى زوجته وأبنائه من الناحية الدينية والثقافية (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) قد يكون سبباً في تهربه من المسؤولية وخروجه من المنزل.
فهم القيم
وقد بدأ الشيخ ناصر بن على الحوسني المراقب العام لإذاعة القرآن الكريم حديثه في فهم القيم التربية للأبناء فقال: للدوافع أهمية كبرى في حياة أحدنا وهي التي تولد السلوكيات الإيجابية والسلبية، ومع غياب إدارة حقيقية للوقت، أو فهم ناقص لبعض القيم في مشاهدة الحياة، تتأرجح نسبة المعقول وغير المعقول في آثار السلوك عند البشر، فمن ملك القدرة على التخطيط والتحفيز النفسي والعقلي فقد وفّر أسباب النجاح وملك عمره، ومن ساهم في قتل الوقت فقد قتل نفسه دون أن يعلم، ودائماً نسمع ونشاهد ونقرأ عن أزواج جعلوا من بيوتهم محطة للاستراحة القصيرة، بينما كان الشارع والقهوة والمراكز التجارية القسم الأكبر من ساعات اليوم، وقد يبرر سلوكه بالفرار من البيت والمسئولية، فلا يساهم في إيجاد حياة مستقرة، بل يعلل ما يترتب من آثار لغيابه عن المنزل بالحجج الواهية، ويتخلى عن واجبه تجاه زوجته وأبنائه، فالزوجة في النهاية إنسانه تجمع في قلبها المشاعر الجياشة والأحاسيس العاطفية، وعندما نرى اختلاف مستويات الأبناء وتفاوت سن أعمارهم، ندرك أن الأبناء تتفاوت كذلك مدركاتهم للقيم وكسب مفردات التربية السلوكية، لأنهم بحاجة إلى كيان الوالد كجسم يحتل كثافة مساحية في بيته، فيجد أمامه معان الصداقة ويستشرف من عطر أبيه ما يحتاجه من حب ورفق، وقد يؤلمه لذعة فراقه وغيابه عن المنزل، فالوالد هو الملجأ الوحيد الذي يحتاجه الأبناء عند كل كرب وضيق، يحتاجونه كمؤدب، فينشأ الناشئ فينا على ما عوده والده، والوالد في الأخير هو البوابة التي تَحرس عملية التكوين في كل أشكالها، فيكبر الولد ويكون رجلاً صالحاً، والبنت تكون أمّا صالحة، وكم قاست الكثير من الأمهات في العملية التربوية عند غياب الآباء.
الاستثمار الحقيقي
وقد تطرق الشيخ مبارك المهيري حديثه عن كيفية توجيه الآباء نحو خطورة تغيبهم عن المنزل فقال: يجب أن ننبه الآباء إلى أن الاستثمار الحقيقي يكون في الأبناء, وليس الاستثمار المالي, وأن المستقبل كفيل بإظهار معالم هذه القضية، فالآباء يرون الأموال الطائلة التي جمعوها لا تغطي عيباً واحداً من العيوب التي نشأت بسبب غيابهم عن المنزل، ولن تتحقق الحاجات النفسية التي تنطلق من قلب هذا الطفل إلا بكثرة مداومته مع والده، وقد يفقد الطفل معاني الرجولة والذكورة نتيجة نقص المناعة العاطفية الأبوية، ولو افترضنا أن بعض الأمهات حازمات فإن البعض الآخر من الأمهات لا تربي رجالا, لذلك يشوب تربية بعض الأمهات للأولاد شيء من فقدان الرجولة، فيجب أن نوجه الآباء إلى أن تربية الأبناء واجب شرعي وعرفي وأخلاقي, بينما الانشغال بتكثير الأموال ومضاعفتها أمر مطلوب ولكن ليس بواجب, فيجب ترتيب الأولويات، وعندما نعرض بعض الإحصائيات التي تبين الآثار السلبية لغياب الأب عن المنزل، سنجد أن الأمر جلل والقضية تحتاج لدراسة متأنية، فهل قام بعض الآباء بزيارة مراكز الأحداث والتعرف على حالات الانحراف الناتج عن فقدان وجود الأب في المنزل؟ وهل قام بعضهم بمقارنة بين الحالة السابقة وحالات النجاحات التي حققتها الأسر التي تكامل فيها وجود الوالدين في المنزل وقتاً أكثر؟
كما أن معنويات الابن الذي يأتي والده ليصطحبه من المدرسة تكون أكبر من معنويات الطالب الذي يأتي سائق المنزل لأخذه، والسبب واضح، فإن الابن تجده في مدرسته دائم الافتخار بذهابه مع أبيه وإيابه معه، وأما الآخر الذي يفقد والده في المنزل أو المدرسة فلا يجد من يتحدث عنه ويفتخر به وينافس به أقرانه، وهنا يحاول أن يغطي نقصه العاطفي فيفتخر بشخصيات لا علاقة له بها، كلاعبي الكرة، والفنانين، أو حتى سائق المنزل، لأنه لا يرى في المنزل من يروي حياته الشخصية والعاطفية.
وهناك مسألة خطيرة وهي عدم معرفة الأب لصفات الابن، فهو لا يعرف الجوانب الإيجابية عنده فيشجعها، ولا الصفات السيئة فيحاربها ويلغيها، وقد يكون الأب أقدر على معرفة صفات السائق أو الموظف في شركته أكثر من صفات ولده في المنزل.
مصيدة العواطف
ويوضح الأستاذ حمد سهيل الكثيري أساليب جذب الأب إلى المنزل فيقول: إن حسن استقبال الزوجة لزوجها عند دخوله في عشه الآمن، أو حسن تدبير الزوجة لشئون المنزل من نظافة وترتيب وإعداد للطعام، أو حسن توفيق الزوجة بين واجباتها المنزلية ومسئولياتها خارج البيت، تطوّل مدة مكوث الأب في المنزل وخاصة إذا تفننت الزوجة في تزينها وتعطرها وتبسمها لزوجها، فإذا نظر إليها سرّته وبعثت السعادة في قلبه، فينجذب دائما إليها وإلى الأبناء والمنزل.
| |
|